دخلت أم عربية مسلمة في بلد مسلم إلى مدرسة ابنها معاتبة مدرسته، قائلة: أنا لم آتِ بابني هنا ليتعلم العربية والقرآن، وإنما جئت به ليتعلم الإنجليزية!
وإليكم موقفا آخر، نستشف منه حال أولادنا، وما وصلوا إليه من عزلة عن مجتمعاتهم وفقد الإنتماء حتى للأسرة.
سألت مدرسة طالباتها في المرحلة المتوسطة، وكن أكثر من 200 طالبة: إذا قيل لإحداكن ستذهبين للعيش في جزيرة لوحدك، فماذا ستأخذين معك؟
وكانت الإجابة تكاد تكون باتفاق: الجوال والشاحن والنت!
لنعلم! متى ضعف إنتماء الطفل للأسرة عموما والأب والأم خصوصا، فلا تطمع في أن ترى من هذا الطفل أي إنتماء وطني أو ديني، بل صار عرضة لهيمنة القوى الفكرية المسيطرة على الساحة الإعلامية، تزرع فيه الإنتماء الذي تريده.
فحجم التغريب الذي يمارس ضد أبناء وبنات المسلمين اليوم، لم يسبق له نظير.
لوثة الإفتتان بالغرب ونمط الحياة الغربية، عم شرها المجتمعات المسلمة، وسرت آفتها بين الناس، حتى لا يكاد يخلو دار من قتيل لها. وتَعْجَب عند ما ترى أمة يمارس ضدها القمع والقهر من عدو خارجي ومع ذلك ترى أبناء وبنات هذه الأمة مفتونين بهذا المعتدي، يتمنون أن يلتحقوا بركبه، ويعيشون في قطره.
ينبغي على كل عاقل، أن يدرك أن الحياة في الغرب ليست مثالية كما تحاول أفلام هوليوود والإعلام الغربي إيهامنا، فتبث قيم معينة بصورة مباشرة وغير مباشرة، يظن المشاهد بأنها مُثلى، فترى البطل في آخر الفيلم يسير في مشهد دراماتيكي منتصرا منتشيا، معه عشيقته في لقطة تحرك مشاعر الجمادات.
وللأسف، أستطاعت هوليوود أن تصنع من هذه الرموز الوهمية قدوات تُتَّبع، فنجد صورها في جوالات أولادنا، ولعل بعضهم زين جدران غرفته الشخصية بها.
ولا أظن أن هذه الأم المفتونة باللغة الإنجليزية، وضَحَّت لأجلها باللغة العربية والتربية الإسلامية، إذا أقتربت أكثر، واطلعت عن كثب على حياة الأسرة في المجتمع الغربي، وحجم التفكك الأسري، والإنحلال الأخلاقي، والتمرد على كل فضيلة، والتوسع في كل رذيلة، لما تمنت أن تحاكي حياة ابنها أو ابنتها حياتهم، ولأدركت حجم الدمار الذي ينتظر بيتها.
فإذا عُزل الطفل عن لغته ودينه، حتما سيلتحق بركب القوم الذين دفعه أبواه لإتقان لغتهم. فاللغة الإنجليزية تُقدَّم لطلابها اليوم كحزمة كاملة، تشمل العادات والتقاليد، ونمط الحياة، والعلاقة الإجتماعية، وطريقة التفكير والتسائل، كل ذلك على الطريقة الغربية، وتُقدم كأنها المثالية المنشودة، وما سواها تخلف ورجعية.
وغالبا ما يدفع تعلم اللغة الإنجليزية الطالب للإقبال على مشاهدة الأفلام الأمريكية، والسعي لمحاكاة ما يشاهده، فمتى ما أتقن هذه اللغة، ورأى أن واقعه لا يعكس البيئة التي تلقاها من خلال اللغة والأفلام، تمنى أن ينتقل إلى تلك البيئة، أو أن توجد مثلها حيث هو.
وأنا هنا لست ضد تعليم الأطفال لغة أخرى أو حتى أكثر من لغة، لكن مع ضابط الحفاظ على لغتنا الأم، وهويتنا الإسلامية. فقد تخرجت من جامعة في أمريكا ورأيت عن قرب أثر ذلك على أولاد المسلمين هناك، وأعي حجم الطمس الذي لحق بالهوية الإسلامية، وكيف أنتقل تأثير ذلك إلى مجتمعاتنا العربية والمسلمة.
وحتى ندرك آثار فقدان هويتنا، والتنصل من لغتنا، والسعي لمحاكاة نمط الحياة الأمريكية، سأنقل بعض الحقائق المفزعة من الواقع الإجتماعي والثقافي الذي وصل إليه المجتمع الغربي. فالأمر وصل عندهم في السوء مستوى فاق ما كانوا عليه من بضع سنين، بل لا أظن أن الشيطان سيصل إلى ما وصلوا إليه!
قام باحث أمريكي في عام 2016، بإجراء لقاءات في عدة جامعات منها جامعة سياتل ليبرز حجم الإنحدار القيمي عند شبابهم؛ وكان يسأل عن موضوع الجندر (والتحول الجنسي) الذي استفاض عندهم، وترك الناس في تخبط حتى في مسألة واضحة كالتمييز بين الذكر والأنثى؟! وما أظن أن البشرية منذ أن خلق الله آدم عليه السلام قد مر عليها مثل هذا الانحطاط والمسخ للفطر. فكان يسأل عن الهوية والجندر (المراد بالجندر الجنس ذكر أو أنثى)، وهل للإنسان أن يختار بنفسه الجنس الذي يريده؟!
نعم...لا تتعجبوا... هذا ما وصل إليه الغرب!
هل تتصور طفلا، ولد ذكرا، ولمَّا كبر قرر أن يكون امرأة، والمجتمع كله يتعامل معه على أنه امرأة، فيدخل حمامات النساء، والأماكن الخاصة بالنساء، فيختلط بهن، كأنه واحدة منهن؟!
فكان رد جميع طلاب الجامعة الذي ألتقى بهم: أن للشخص أن يختار بنفسه أن يكون امرأة أو رجلا، لطالما ليس فيه ضرر على الآخرين! وسألهم عن استخدام الحمامات العامة فلم يظهروا أي إنزعاج في أن يدخل الذكر الذي يرى نفسه امرأة حمام النساء والعكس بالعكس! بل اقترحوا أن تكون الحمامات للجميع، وبدون تصنيف جنسي "gender neutral".
وسأل: هل هناك داعي أن يكون هناك تصنيف ذكر وأنثى؟ فكان الرد لا داعي، فليصنف كل شخص نفسه بما شاء، ذكر أو أنثى أو لا شيء! فالجنس يقرره المجتمع حسب زعمهم وليس الخلقه البيلوجية!
وقد علقت أم أمريكية بعد مشاهدة هذا المقطع، بأن طفلها عاد من المدرسة إلى البيت قائلا إنه بدون جندر "genderless" (أي ليس بذكر أو أنثى)، فذكرت الأم أنها بينت له من أين يبول وحينها اقتنع أنه ذكر! وهذا يعني، أن حتى مدارس الأطفال عندهم لم تسلم من هذه الحملات التي تسعى لمسخ الفِطر السوية.
والمطلع على الواقع الغربي يرى أن التحول الجنسي (Transgender) أصبح متاحا عندهم، وله جمعيات تقدم تسهيلات ومعونات وعمليات مجانية، لا يجدها حتى الفقراء ومرضى السرطان والأمراض الأخرى.
ولك أن تتكلم في أي شيء وتنتقد أي شيء إلا أن تتكلم في المثليين والمتحولين جنسيا فسيشنون عليك حربا وعداء لم يلق مثله حتى من أظهر عنصرية ضد اليهود أو السود. فستجد في الأفلام والبرامج الفكاهية من يسخر من السود واليهود على الرغم أنها تُعد "تابو" ممنوعة عندهم، ولكن لن تجد ذلك مع المثليين أو المتحولين جنسيا ، بل إياك أن تفعل ذلك!
وفي مقطع فيديو، سأل رجل في مسرح يمتلىء عن بكرة أبيه بالناس: من منكم مع زواج المثليين؟ فإذا بجميع من في المسرح يصيحون بصوت مرتفع تأييدا. ثم سأل من منكم ضد زواج المثليين؟ فلم يَسمع نفسًا واحدًا، ولا حتى صوتا لأحدهم يسعل بدون قصد!
فهذا هو الواقع الغربي اليوم؛ ويلوح في الأفق معايب وقبائح أُخر، لم تصل إليها البشرية من قبل، حتى قوم لوط، وهو نكاح المحارم بل نكاح الحيوانات، فأصبح هناك من ينادي به وهناك من لا يستغربه ولا يمنعه ولا يعاقب عليه.
وحملة هذا الانحطاط، المسوغون له، هم أكثر العلماء الملاحدة، القائمون على الصرح العلمي والتدريس في الجامعات، الذي أدى إلى هذا التيه الذي يعيشه الطلاب هناك؛ وهم أنفسهم من يقومون بتدريس أبنائنا المبتعثين عندهم. فلنا أن نتربص قدوم قيم جديدة ومفاهيم غير حميدة إلا أن يتغمدنا الله بحفظه ويكلأنا برعايته.
وخذوا هذه الواقعة، قام رجل محافظ في إحدى مدن كاليفورنيا بسؤال الناس: ما رأيكم في نكاح المحارم؟! والمزعج في الأمر، أنهم بعد سماع السؤال، لا ترى في وجوههم أي تمعر أو حتى بدو أي تقزز من الفكرة. بل على العكس من ذلك جميع من سُئل لم يعترض، وبعضهم وضع ضابطا للأمر وهو أن لا يكون هناك إنجاب!
فهذه آخر ما وصلت له التقنية في الغرب!
وبما أننا مجتمع مستهلك، عالة على الغرب، نستقي منهم كل شيء، حتى ما يُدرس لأبنائنا، فالعدوى ليست عنا ببعيد إلا أن يتغمدنا الله برحمته، فنفيق من هذا التغافل عن هذا الخطر المحدق، الذي إذا لم نبادر بالتصدي له، فسيكون بداية إندثار كل فضيلة، وفشوِّ عَقِبه كل رذيلة.
Commentaires