top of page
بحث
صورة الكاتبمشهور محمد الصهيبي

احذر...حين ينتحر طفل المسلم، فقد يكون ولدك الضحية التالية!

تاريخ التحديث: ١٦ يوليو ٢٠٢٢


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين، وبعد.


عندما نسمع أن رجلا انتحر في الغرب، فإننا ندرك الدافع لفعلته هذه، وذلك لاطلاعنا على الخواء الروحي الذي يعيشونه، والعداء التاريخي المستميت للدين وأهله، والتمزق الاجتماعي، والانحطاط القيمي، والاضطراب النفسي التي وصلت إليه المجتمعات الغربية؛ مع ذلك كله لم نسمع من قبل أن أطفال الغرب ينتحرون.


فإذا رأينا ظاهرة انتحار الكبار في الغرب، بدأت تسري - ليس إلى كبارنا وشبابنا- بل إلى أطفالنا، من هم دون البلوغ، فإن هذا مؤشرُ شر، ونذيرُ شؤم، ومَدعاةٌ للرعب والقلق، يدفعنا لنبادر بجد لدراسة أسبابه، وتقديم الحلول الناجعة للحيلولة دون انتشاره وتفاقمه.


طفل أبها البهية رحمه الله تعالى، في الثالثة عشر من عمره، من أسرة محافظة، كان صائما مع أسرته يوم انتحاره!


كيف وصل به الحال إلى هذا القرار؟ وما الذي دفعه لينهي حياته وهو في أولها؟


هذه أسئلة يجب أن نبحث عن جواب لها، حتى نحُدَّ من انتشار مثل هذا الأمر. لا سيما وأننا قد سمعنا عن طفلة أخرى في ريف مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد أقدمت هي الأخرى على الانتحار رحمها الله تعالى!


ومعلوم أن البنات فيهن من الرقة والشفقة ما يجعلهن يحجمن كثيرًا عن أن تؤذي إحداهن نفسها، مع ذلك نرى هذه الطفلة البريئة تُقْبِل على هذا الفعل المستغرب الشنيع دون تردد.


ومثل هذا حصل في مصر واليمن وبعض الدول العربية والإسلامية.


ما الذي يجري؟!


ما بالنا لا نتعظ بما يدور حولنا، ولا نحرك له ساكنًا؟!


وتمر علينا هذه الأخبار وكأنها تنقل إلينا من كوكب آخر!


وما بال هذه الأحداث لاتدفعنا إلى إعادة النظر ومراجعة طريقة تربية أولادنا، فننظر هل وفرنا لهم بيئات آمنة فكريًا، وعقليًا، واجتماعيًا، وبدنيًا، حتى لا نُفاجأ أن أولادنا وقعوا كذلك فريسة سائغة للذي دفع طفلي أبها والمدينة وغيرهم إلى هذا المصير المحزن؟


يقول والد طفل أبها، كنت أراقب ما في لعبة ابني، فرأيتها خالية من المحرمات التي غالبا ما نركز عليها، كالنساء والموسيقى وما شابه ذلك. فتركته يستمر في اللعب. وبعد وفاته عدت إلى اللعبة فوجدت أنه قضى فيها أكثر من ثلاثة آلاف ساعة!!


واكتشفت أن اللعبة قد أدخلت ولدي في جو نفسي غاية في السوء، من خلال مراحل اللعبة التي يمر بها المتسابق، فأوهمته بأنه منبوذ اجتماعيًا، وأن كل من حوله لا يرغب فيه، حتى أوصلته إلى حالة اكتئاب وإحباط عنيفة.


وكلنا يعلم أن صانعي هذه الألعاب مجهولون، وليسوا جهات تربوية، وغالبا ما يكونون من غير المسلمين، بل فيهم ملاحدة؛ فلا أخلاق تضبطهم، ولا قيم تردعهم. ونسمع كثيرا أن بعض من يصنع هذه الألعاب مر بمعاناة نفسية، أو اضطهاد اجتماعي، فيسعى للانتقام من المجتمع بضراوة شديدة، ودهاء بالغ، حتى يشفي غله، ويروي حقده، وما مواضيع هذه الألعاب إلا دليلا على ذلك.


ومع انفتاح وسائل التواصل، وسهولة الوصول لهذه الألعاب، استطاع هؤلاء أن يَصبُّوا جام حقدهم على الآخرين بسهولة ويسر. ولنا أن نترقب المزيد من الشر أن يصل إلينا من كل حدب وصوب، لطالما أولادنا يسرحون ويمرحون وهذه الأجهزة في متناول أيديهم، بل في جيوبهم.


وخذوا هذه الواقعة المؤلمة التي تؤكد إلى أي مدى صغارنا غارقون في هذه الأجهزة، وإلى أي مدى وصل تهاون وتساهل الأبوين.


كنت ذات مرة أتكلم مع زملاء لي، وذكر أحدهم أن حفيدته، وعمرها سنتان، كانت عنده في البيت ومعها الجوال، وهي تشتكي له وتشير في جوالها إلى علامة "الواي فاي" وأنه ليس هناك شبكة إنترنت تعمل!


للأسف، كان زميلي يذكر هذه القصة منتشيًا فرحًا لفرط ذكاء حفيدته الصغيرة، فخورًا بها، لكنه غير منتبه إلى أين قد يذهب بها هذا الذكاء، وحجم الضرر الذي ينتظرها إن هي استمرت في هذا الطريق، أسأل الله أن يحفظها وأولاد المسلمين من كل سوء!


وفي حج عام 1439هـ ونحن في انتظار القطار للانتقال بين المشاعر، رأيت أمًا وأبًا من غير العرب ومعهما طفل في عربة دون السنتين، وفي يده جوال يتابع اليوتيوب!


وكثيرا ما أكون في السيارة مع عائلتي، ونرى السيارات العائلية من حولنا التي فيها أطفال، قد شُغِّل فيه فيلم كرتون حتى يلهي الأطفال عن الكلام والضوضاء التي لا يريد الأب سماعها.


فإذا أصبح هؤلاء الصغار الأبرياء مكبلين بهذه الأجهزة عن الحركة، واللعب، والانطلاق، وإخراج ما بهم من طاقة بالمتع الحركية، حتى وهم خارج البيت؛ بل مكبلين حتى عن الكلام ومشاركتنا الحديث، فلا نعجب بعد ذلك إذا رأينا هؤلاء الصغار يشتكون من أعراض مَرَضية لا تظهر إلا على كبار السن والهرمى، أو يصابون بأعراض نفسية يشتكي منها من عالج الدنيا بمشاكلها وتعثر فيها، وضاقت عليه السبل.


فهل نرجو بعد ذلك من هؤلاء الأولاد إذا ما كبروا بِرًا أو طاعة، وهم قد نشأوا في بيئة الأب فيها مشغول عنهم، والأم كذلك، قد رمت المسؤولية كلية على الخادمة، وقلما يجتمعون ليكلم بعضهم بعضًا.


فاضطر هذا الطفل المسكين بسبب انشغال الجميع عنه، أن يستقل بحياته، وينشئ لنفسه حياة أخرى افتراضية -كونها من خلال جهازه- ليسد الفجوة التي تركها في حياته الوالدان ومن حوله. فأصبح لا يسعد إلا بالعالم الافتراضي الذي بناه لنفسه، فهو ينام، ويفيق عليه ولأجله؛ وذلك لأنه مليء بالإثارة، غني بالمتع والمغامرة، خلافا لحياته الواقعية الجامدة المملة، التي كلها حرمان حتى من الاستمتاع مع أقرب الناس إليه.


ذكر أحدهم أن ابن أخيه أصيب بالتوحد وذلك لأنه عُزل عن الأسرة في سن مبكرة بسبب الجهاز "الذكي" الذي وفره له الوالدان، ظنا منهما أنه مجرد وسيلة إلهاء عن الحركة والإزعاج وحسب!


فظاهرة الأطفال الذين يحملون هذه الأجهزة، نراها تنمو في مجتمعاتنا، دون أدنى تفاعل من المجتمع على الصعيد الفردي أو المؤسسي، فلا تحذير عن أضرارها سمعنا، ولا بيان لدراسات تنبه الناس من عواقبها. وإنما نفيق وننتبه لخطر ما أوصلنا إليه أولادنا إذا قمنا بزيارة الطبيب، لنشتكي له أن الولد لا يأكل، أولا يتكلم، أو لا يحب الاختلاط بالآخرين، أولا يرغب بالحركة.


فكما أن الأب الذي يدفع ابنه لشراء الدخان (السيجارة) في سن مبكرة، يُجرَّم ويعد مخالفا للقانون (للأسف هذا الأمر لا نجده في كثير من بلاد العرب)، فوالله للأب الذي يعطي ابنه هذه الأجهزة وهو دون البلوغ ينبغي أن يُعدَّ أشد جرمًا.


قد يسأل الكثير، كيف نصنع وقد انتشرت هذه الأجهزة؟ فمن الصعب منع وصولها لأولادنا أو حرمانهم منها.


نقول كذلك كثير من الممارسات السيئة انتشرت بين جيل الشباب والأطفال، ولله الحمد استطعنا أن نمنع أولادنا عنها، لأننا لمسنا فعليا ضررها، ورأينا كيف عانا المجتمع من جرائها.


فمثلا، نجدنا نحرص على ألا يدخن أولادنا على الرغم من انتشار الدخان بين الشباب والمراهقين، ونراقبهم بشده حتى لا يقعوا فريسة لرفقاء السوء.


فمن يريد أن يجعل وقت ابنه وابنته عامرا بما ينفعهما فالمجال واسع جدا، والبدائل شتى، والمتخصصون في التربية قد أبدعوا في إبراز الوسائل البديلة لإثراء حياة أولادنا، إلا أنها غالبا ما تتطلب من الأبوين شيئا من الجهد والمتابعة. لكن للأسف، يلجأ الوالدان إلى الحلول التي تخدم اللحظة ولا تتطلب تدخلا منهما، ولا ينتبهان أو يتجاهلان عاقبة هذا التفريط ، الذي حتما سينتج عنه ما لا يحمد عقباه على الأولاد والأسرة.


فعندما نجد الأبوين يفرحان لفصاحة وقدرة ابنهما على البيان عن مراده وهو في سن مبكرة، فحتما ذلك لم يأتي من فراغ. وإنما يرجع ذلك إلى الأبوين، اللذينِ يجلسان ويتحدثان كثيرا مع هذا الطفل، فالطفل لم يخلق ومعه جين في الخلية فيه مخزون كبير من المفردات اللغوية ينتقي منها ما يشاء ليعبر عن مراده. وإنما هي مفردات تتراكم في ذهنه، ويُحصلها من خلال السماع، والاختلاط مع الآخرين، فيحاول أن يعبر بما سمع منها.


وقد أبهرني حوار تكلمت فيه امرأتان في مقطعين فيديو منفصلين، إحداهما في مصر وهي متخصصة في علم اللغويات (Linguistic)، تُدرِّس في جامعة أمريكية في العاصمة وشنطن دي سي، والأخرى في الجزائر، والعجيب أن السيدتين وفقهما الله لمرضاته، لم يكن ظاهرهما التدين البتة، حيث كانتا دون حجاب، وكاشفتان لشعرهما. وقد اتفقتا أن الطفل الذي يحفظ القرآن يكون عنده مخزون عظيم من المفردات اللغوية، فيعبر بها بطلاقة تامة. فقد ذكرت المتخصصة المصرية، أننا ننبهر عندما نرى الأطفال في الغرب يتكلمون بطلاقة دون تلعثم، فذكرتْ أن الطفل الغربي عندما يبلغ السن الثالثة يكون لديه ست عشرة ألف مفردة لغوية يعبر بها، بينما الطفل العربي في نفس السن لدية ثلاثة آلاف مفردة فقط!


بينما –وهذا الكلام الذي أبهرني- الطفل المسلم الذي يحفظ القرآن لديه خمسون ألف مفردة!!


وذكرت أن المستعمر عندما أدرك قوة الشخصية المسلمة وأثر القرآن عليها، قام بمنع الكتاتيب (دور القرآن) وأحلَّ مكانها مدارس خاصة تعلم لغة المستعمر، وترغب فيها وتزهد في لغة القرآن.


كما ذكرت الباحثة الجزائرية، وهي ترثي لحال اللغة والفكر في الجزائر، أن التدهور الفكري واللغوي التي ابتليت به الأمة سببه البعد عن الكتاتيب ودور تحفيظ القرآن، حيث لوحظ أن أجيال الكتاتيب كان فيهم العالم والأديب والمفكر الذي يعمل لمصلحة أمته، وكانوا أهل لغة جزلة، وقدرة فائقة في التعبير. وعندما دخل التغريب على الجزائر وأُهمل دور الكتاتيب، خرَجت أجيال هجينة ولاؤها واعتزازها للمستعمر ولغته، أعظم من اعتزازها بلغتها وبلدها.


فإذا رأيت طفلا تربي في محاضن القرآن منذ نعومة أظفاره، فلا تسأل بعد ذلك عن حال طفل نشأ وترعرع في كَنَف القرآن، من حيث التميز المعرفي، واللغوي، والسلوكي، والأخلاقي، والإنتاجي، فأنا لست هنا في معرض التنظير لذلك، ولكن الأمثلة من الواقع التي تشهد لذلك لا تعد ولا تحصى، وما منّا إلا وقد مر عليه ما يؤكد ذلك.


فلنجعل القرآن أصلا في تربية أولادنا، ولنا بعد ذلك أن نختار من وسائل التربية والترفيه البديلة ما هو مشروع، ولا يتنافى مع سماحة الشرع كما ذكرها المتخصصون.


وإذا رمنا السلامة لأولادنا، فلنُبعِد... فلنُبعِد... فلنُبعِد... أولادنا عن هذه الأجهزة غير الذكية، كما ننأى بهم عن مخالطة من به جرب.


وإن كان ولدك مبتلى بهذه الأجهزة، فحتما ستعاني في أول الأمر لإخراجه من عالمه الافتراضي الوهمي، وهذا سيحتاج منك إلى شيء من التضحية والمعاناة، فتقف معه وتساعده حتى يرجع إلى الحياة الطبيعية المثالية المُنِتجة.، التي يرجوها كل والد لولده.


فقليل من المعاناة والتضحية الآن، خير من عاقبة فيها معاناة دائمة لا تنقطع.


فالنستعن بالله، ونكثر من دعاءه سبحانه، ونحتسب الأجر عنده في القيام على أولادنا؛ ولابد أن نوفر لهم البيئة المناسبة، ونَلزَم الأسباب المشروعة، وليكن كل منا خير قدوة لولده، وعندئذ فلننتظر العون والتوفيق والسداد من الله عز وجل.


(رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) الفرقان: 74

هذا والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


١٣١ مشاهدة

أحدث منشورات

عرض الكل

هل يزهد عاقل بمثل هذا العرض؟

قيل: القناعة كنز لا يفنى؛ وهي حكمة تحمل معاني جليلة؛ ولكننا نعجب عندما نرى كثيرا من الناس يوظفها بخلاف مقصودها؛ فيَزهد فيما لا يُزهدُ فيه،

Comentários


bottom of page